ثم حكى ما سيقال لهم حينئذ توبيخا وتأنيبا فقال: وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ أي ولن ينفعكم في هذا اليوم اشتراككم في العذاب أنتم وقرناؤكم، كما كان ينفع في الدنيا الاشتراك في المهامّ الدنيوية، إذ يتعاونون في تحمل أعبائها، ويتقاسمون شدتها وعناءها، فإن لكل منهم من العذاب ما لا تبلغه طاقته، ولا قدرة له على احتماله | ثم وبخهم على إعراضهم عما جاء به من الحق وعدم النظر فيه فقال: وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ أي ولما جاءهم القرآن والرسول الصادق بما معه من المعجزات قالوا إن ما جاءنا به سحر وليس بوحي من عند الله وإنا به جاحدون، فضموا إلى شركهم معاندة الحق والاستخفاف به |
---|---|
ونحو الآية ما جاء في سورة الأعراف من قوله: « فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ | وقال سعيد بن جبير: إن معنى الآية - لا يملك هؤلاء الشفاعة إلا لمن شهد بالحق وآمن على علم وبصيرة |
فجعل الذكر والشرف لقومي - إلى أن قال - فالحمد لله الذي جعل الصدّيق من قومي والشهيد من قومي، وإن الله قلب العباد ظهرا وبطنا، فكان خير العرب قريش وهي الشجرة المباركة » ثم قال عدي ما رأيت رسول الله ذكرت عنده قريش بخير إلا سره حتى يتبين ذلك السرور في وجهه للناس كلهم اهـ | وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ أي وإن القرآن ليعلمكم بقيام الساعة، ويخبركم عنها وعن أهوالها، فلا تشكّنّ فيها واتبعوا هداى، فهذا الذي أدعوكم إليه هو الصراط المستقيم الذي لا عوج فيه وهو الموصل إلى الحق |
---|---|
ولما كان الطريق القويم يجب الاجتماع عليه، والاتفاق على سلوكه - بين أنهم خالفوا ذلك فاختلفوا فيه فقال: فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ أي فاختلف النصارى وصاروا شيعا، من ملكانية إلى نسطورية إلى يعقوبية، فمنهم من يقر بأنه عبد الله ورسوله وهو الحق، ومنهم من يدعى أنه ابن الله، ومنهم من يقول إنه الله، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا | أولى السور في القرآن هي سورة الفاتحة، وقد جُمعت السور الطويلة في أوّل المصحف والقصيرة في آخره، وبالتالي فإن ترتيب السور ليس بحسب تاريخ نزولها، وجميع هذه السور تبدأ : ، عدا ، ويفسّر العلماء ذلك بقولهم إنها نزلت بالقتال والبسملة بركة وطمأنة فلا يناسب أن تبدأ السورة التي في القتال وفي الحديث عن المنافقين بالبسملة، وقيل أيضًا لأن العرب كان من شأنهم أنهم إذا كان بينهم وبين قوم عهد فإذا أرادوا التوقف عنه كتبوا إليهم كتابًا ولم يكتبوا فيه بسملة، فلما نزلت السورة بنقض العهد الذي كان بين النبي والمشركين بعث بها النبي ، فقرأها عليهم ولم يبسمل في ذلك على ما جرت به عادة العرب |
ونحو الآية قوله تعالى: « لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها » وقوله: « وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى.
7وكيف يشركون به من لا يخلق ولا يرزق، ولا يميت ولا يحيي؟! وثبت في وغيره أن مع كل مسلم قرينا من الجن | ثم بين ما جوزوا به على تكذيبهم فقال: وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ أي وأنزلنا عليهم ألوانا من العذاب كنقص الثمرات والجراد والقمل والضفادع |
---|---|
وقد اختلف في ترتيب سور القرآن بكونه من عند أم من اجتهاد الصحابة | وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها أي وما أرينا فرعون وملأه حجة من حججنا الدالة على صدق رسولنا في دعواه الرسالة إلا كانت أعظم من سابقتها في الحجية عليهم، وآكد في الدلالة على صحة ما يأمر به من توحيد الله، ومعنى الأخوّة بين الآيات تشا كلها وتناسبها في الدلالة على صحة نبوة موسى كما يقال هذه صاحبة هذه أي هما قرينتان في المعنى |
وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ أي ولا تغتروا بوساوس الشيطان وشبهه التي يوقعها في قلوبكم، فيمنعكم ذلك عن أتباعي، فإن الذي دعوتكم إليه هو دين الله الذي اتفق عليه رسله وكتبه.
28