وكل شيء في هذا الكون يسجد ويسبح ويذكر الله ولكن لا نفقه كيفية تسبيحه ولا سجوده , فقد ذكر البخاري في صحيحة عن أبي ذر الغفاري قال : دخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ، فلما غربت الشمس قال : يا أبا ذر ، هل تدري أين تذهب هذه قال : قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : فإنها تذهب تستأذن في السجود فيؤذن لها ، وكأنها قد قيل لها : ارجعي من حيث جئت ، فتطلع من مغربها ، ثم قرأ : ذلك مستقر لها , في قراءة عبد الله " , فهذا السراج الوهاج يشرق كل يوم حتى إذا غربت انطلقت لتسجد عند ربها تحت العرش لتستأذن ليوم جديد وتفعل ذلك كل يوم ونحن لا نشعر بذلك | روى البخاري 812 ، ومسلم 490 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ : الْجَبْهَةِ ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ ، وَالْيَدَيْنِ ، وَالرِّجْلَيْنِ ، وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ ، وَلَا نَكْفِتَ الثِّيَابَ وَلَا الشَّعْرَ |
---|---|
وقسم الثواب بين الصلاة والطهارة فكان نصيب الطهارة الثلث ونصيب الصلاة الثلثين وقسم نصيب الصلاة من الثواب فكان على نصفين بين الركوع والسجود , فقد ذكر الألباني في صحيح الترغيب بسند حسن صحيح عن أبي هريرة أنه قال , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم , الصلاة ثلاثة أثلاث ، الطهور ثلث ، و الركوع ثلث ، و السجود ثلث ، فمن أداها بحقها قبلت منه ، و قبل منه سائر عمله ، و من ردت عليه صلاته ، رد عليه سائر عمله " , والأعمال مرتبطة بحسن الصلاة وحسن أدائها فهي البوابة لقبول الأعمال الأخرى , ومن الناس من ينقر سجوده في الصلاة كنقر الغراب كأنه لم يسبح تسبيحه واحدة من شدة عجلته ويظن أنه بذلك قد سجد , فقد ذكر ابن حجر العسقلاني في فتح الباري بسند ثابت , عن أنس " أنهم حرزوا في السجود قدر عشر تسبيحات " , أي أنهم قدروا الوقت الذي يمكثه وهو ساجد بقدر عشر تسبيحات , وقد لا يكون الوقت كله في تسبيح بل قد يسبح ثلاثا والباقي دعاء وثناء على الله , فكيف هذا الذي ينقر السجود نقرا فلم يطمئن في تسبيحه ولم يدعوا ربه وقد حثنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن نكثر من الدعاء في السجود | أما المسلمين فقد شرع الله لهم صلاة يتقربون بها إلى ربهم ولم يفرض عليهم تلك الصلاة أحد غير الله , بل لم يتقرر أمر الصلاة إلا في السماء ولم يترك الله لأحد من الخلق وإن كان نبيا في أن يحدد عدد ركعاتها ولا مواقيتها ولا قبلتها ولا عدد أركانها ولا كيفية أدائها ولا في كيفية الطهارة لها ولا الدعوة لأدائها الأذان غير الله وحده , فكان كل شيء متعلق بهذه العبادة هي من تشريع الله وأمره الخالص وما على الرسول إلا البلاغ وعلى العباد الانصياع و الإتباع , وهذا لعظم وأهمية هذه العبادة وغيرها من شرائع الدين , فالصلاة هي الوصل بين العبد وربه , فجبريل عليه السلام هو الذي علم نبينا كيفية الصلاة وحدد له مواقيتها وبين له كل شئونها ثم علم الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمنين الصلاة وكيفية تأديتها فقال لهم " صلوا كما رأيتموني أصلي " فكان لهم قدوة في حركاتها وسكناتها وخشوعها وطمأنينتها |
وأما من لا يشترط تمكين الأعضاء السبعة ويرى أن السجود إنما يشترط بالجبهة، فلا إشكال في صحة الصلاة على قوله.
10وأما من رفعه وقتاً يسيراً فصلاته صحيحة إن شاء الله تعالى | |
---|---|
ومذهب الحنابلة أنها تصح ، وفسروا أطراف القدمين بأطراف الأصابع ، ومن سجد على ظهر قدمه ، فإن أطراف أصابعه تكون على الأرض ، فيكون قد سجد على أطراف قدميه | قال النووي رحمه الله في "شرح صحيح مسلم" : "قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : سَبْعَة أَعْظُم أَيْ : أَعْضَاء ، فَسَمَّى كُلّ عُضْو عَظْمًا , وَإِنْ كَانَ فِيهِ عِظَام كَثِيرَة" انتهى |
وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَصَاحِبَيْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ»، وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَنْفَ فِيهَا، وَرُوِيَ أَنَّ جَابِرًا قَالَ: «رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ بِأَعْلَى جَبْهَتِهِ عَلَى قِصَاصِ الشَّعَرِ».
والأعضاء السبعة هي: اليدان والركبتان والقدمان والجبهة والأنف | وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ: لَا يَجِبُ السُّجُودُ عَلَى غَيْرِ الْجَبْهَةِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَجَدَ وَجْهِي ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّجُودَ عَلَى الْوَجْهِ، وَلِأَنَّ السَّاجِدَ عَلَى الْوَجْهِ يُسَمَّى سَاجِدًا، وَوَضْعُ غَيْرِهِ عَلَى الْأَرْضِ لَا يُسَمَّى بِهِ سَاجِدًا، فَالْأَمْرُ بِالسُّجُودِ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يُسَمَّى بِهِ سَاجِدًا دُونَ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ السُّجُودُ عَلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ، لَوَجَبَ كَشْفُهَا، كَالْجَبْهَةِ |
---|---|
وَفِي الْأَنْفِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا: يَجِبُ السُّجُودُ عَلَيْهِ |
وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : إنسان رفع أحد أعضاء السجود هل تبطل صلاته وهو ساجد؟ فأجاب : "الظاهر أنه إن رفع في جميع السجود — أي : ما زال ساجداً وهو رافعٌ أحد الأعضاء - فسجوده باطل ، وإذا بطل السجود بطلت الصلاة ، وأما إذا كان رفعه لمدة يسيرة مثل أن يحك رجله بالأخرى ثم أعادها فأرجو ألا يكون عليه بأس" انتهى.