في مقامٍ أمينٍ في جناتٍ وعيون ينظرونَ فيها إلى وجهِ الملكِ الكريمِ، وقد أشرقت في وجوههم نضرةُ النعيمِ، وبأنواعِ التحفِ من ربهم يتعاهدون؛ فهم فيما اشتهتْ أنفسُهم خالدون، وهم فيها يتنعمونَ ويأكلونَ من أطعمتِها ويشربونَ من أنهارِها، أراضيها من فضةٍ وحصباؤها مرجانٌ وعلى أرضٍ ترابُها مسكٌ أذفرُ ونباتُها زعفرانٌ، ويُمطرونَ من سحابٍ فيها من ماءِ النسرين على كثبانِ الكافورِ ويُؤتون بأكوابٍ من فضةٍ مرصعةٍ بالدرِّ والياقوتِ والمرجانِ ، فيا عجبًا لمن يؤمنُ بدارٍ هذه صفتُها ويوقنُ بأنه لا يموتُ أهلُها كيف يأنسُ بدارٍ قد أذن اللهُ في خَرابِها ويتهنأُ بعيشٍ دونها؟ اللَّهُمَّ أحِلَّ علينا رضوانَك، وارزقنا الخُلْدَ في جنانِك، وامنن علينا بلَذَّة النظرِ إلى وجهِك والشوقِ إلى لقائِك من غيرِ ضرَّاءَ مُضِرَّةٍ ولا فتنةٍ مُضلةٍ | |
---|---|
الله لا يشبه المخلوقات ان رؤية المؤمنين لله تعالى وهم في الجنة تكون بلا كيف ولا تشبيه ولا جهة ولا مسافة قرب أو بعد ولا كيفية ولا حجم ولا لون، ولا يكون عليهم في هذه الرؤية اشتباه ولا أدنى شك، هل الذي رأوه هو الله أو غيره كما لا يشك مبصر القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب، أن الذي رءاه هو القمر، ففي ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : انكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته رواه مسلم ومما يدل على أن الله عز وجل يرى بالأبصار قول الله حكاية عن موسى عليه السلام : {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} 143 سورة الأعراف خلود أهل الجنة فيها الجنة دار الخلود الأبدي والنعيم المقيم الذي لا يزول، فلا انقطاع لنعيمها ولا موت لأهلها، والجنة مخلوقة ولكن الله تعالى شاء لها البقاء، وكذلك النار مخلوقة والله شاء لها البقاء، فلا يجوز عليهما الفناء شرعا فهما باقيتان، قال الله تعالى : {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} 82 سورة البقرة ويخبرنا الحبيب صلى الله عليه وسلم مفصلا ومبينا خلود الجنة واهلها، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اذا صار أهل الجنة الى الجنة وأهل النار الى النار جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار ثم يذبح ثم ينادي مناد :يا أهل الجنة لا موت، يا أهل النار لا موت، فيزداد اهل الجنة فرحا الى فرحهم، ويزداد أهل النار حزنا الى حزنهم رواه البخاري | اللهم إنا نسألك يا رحمن الدنيا والآخرة أن تمن علينا برحمتك، وعفوك، ومغفرتك، وأن تدخلنا ووالدينا الجنة دار كرامتك، وأن تجنينا من النار دار عذابك وهوانك، وأن تغفر لنا ولوالدينا وجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين |
وممّا ورد في طعام أهل الجنّة هذا ما رواه الإمام البخاريّ في صحيحه، عن الصحابيّ الجليل أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: تكونُ الأرضُ يومَ القيامةِ خبزةً واحدةً، يتكفَّؤُها الجبَّارُ بيدِه كما يكفأُ أحدُكم خبزتَه في السَّفرِ، نُزُلًا لأهلِ الجنَّةِ، فأتَى رجلٌ من اليهودِ فقال: بارك الرَّحمنُ عليك يا أبا القاسمِ، ألا أُخبِرُك بنُزُلِ أهلِ الجنَّةِ يومَ القيامةِ؟ قال: بلَى، قال: تكونُ الأرضُ خُبزةً واحدةً، كما قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فنظر النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- إلينا ثمَّ ضحِك حتَّى بدت نواجذُه، ثمَّ قال: ألا أُخبِرُك بإدامِهم؟ قال: إدامُهم بالامُ ونونٍ، قالوا: وما هذا؟ قال: ثورٌ ونونٌ، يأكُلُ من زائدةِ كبدِهما سبعون ألفًا ، ويُقصَد بالنون هنا الحوت.
لباس أهل الجنة: يتحلّى أهل الجنّة، ويلبسون الحرير، ويكتسون الذهب، وبعض ثيابهم كذلك مصنوعة من السندس والإستبرق، أجود الأنواع منهما، ولهم خيام يتنعمون فيها، وتجري من تحتهم الأنهار، و أهل الجنة لهم خُدّام يخدمونهم، من الصبيان والولدان | ثم أقبلت على صبيانها تخرج ما في أفواههم وتنفض ما في أكمامهم حتى أفضت إلى الحائط الآخر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: كم من عذق معلّق أو مدلىّ في الجنة لأبي الدحداح |
---|---|
وفي الحديث الآخر الذي يرويه البخاري ومسلم أيضاً عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ولقاب قوس أحدكم من الجنة خير مما طلعت عليه الشمس رواه البخاري 2793 | وأهل الجنة تكون أعينهم مكتحلة، وأسنانهم كاللؤلؤ جمالا، وخدودهم كالحرير والزهور، ولهم شعور لا تحتاج الىأمشاط، انما أمشاط أهل الجنة لزيادة الكرام وليس لاحتياجهم اليها |
فهل من مشمر لجنةٍ عرضها السماوات والأرض والله أعلم.
ثم قوله فيما بعد: أولئك أصحاب الجنة : يقتضي حصر أصحاب الجنة في أولئك ، والنساء من أصحاب الجنة ؛ فيجب أن يَكُنَّ من أولئك، وأولئك إشارة إلى الذين لهم الحسنى وزيادة؛ فوجب دخول النساء في الذين لهم الحسنى وزيادة ، واقتضى أن كل من كان من أصحاب الجنة فإنه موعود " بالزيادة على الحسنى " ، التي هي النظر إلى الله سبحانه؛ ولا يستثنى من ذلك أحد إلا بدليل | أيها الأحبة في الله: إننا إذا تأملنا هذه الحقائق علمنا أن الفوز الحقيقي هو الفوز بالجنة، وأن الفوز الزائف المؤقت هو تعلق أهل الدنيا بما يحققون |
---|---|
ستمائة نخلة وماء نقيّ وظلّ وافر وأشجار وثمار، أطيار وأزهار بنخلة واحدة | فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وهم فيها خالدون، لا يبغون عنها حولاً ولا هم عنها مخرجون |
قالت: لمن؟ قال: لله بنخلة في الجنة، قالت: ربح بيعك وبارك الله لك فيما اشتريت.
10