وفاة أمّ المؤمنين خديجة رضي الله عنها على الرغم من أنّ الفترة التي سبقت عام الحزن كانت من أكثر المراحل صعوبةً خلال دعوة النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- في مكّة، فقد مرّ خلالها بالحصار في شِعب أبي طالب، والمحاولات المتكرّرة لصدّ النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- عن دعوته، إلا أنّ وفاة -رضي الله عنها- ترك أثراً كبيراً، وحزناً عميقاً في نفس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ إذ إنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- كان يحبّ زوجته خديجة أشدّ الحبّ؛ فقد عاشت معه خمسةً وعشرين عاماً كاملة، وهي أطول فترةٍ قضاتها زوجةٌ من زوجات النبيّ معه، ولطالما كانت محبّةً ووفيّةً له، فقد كانت من أوائل الناس إيماناً بدعوته إلى الله تعالى، وكانت تمثّل له السند العاطفيّ والقلبيّ في كلّ محنةٍ كان يمر بها، كما في حديث رضي الله عنها، حيث قالت: كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إذا ذَكرَ خديجةَ أثنى فأحسَنَ الثَّناءَ، فغِرتُ يومًا فقلتُ: ما أكثرَ ما تذكرُها حمراءَ الشِّدقينِ قد أبدلَكَ اللَّهُ خيرًا منها، قالَ: ما أبدلني اللَّهُ خيرًا مِنها؛ قد آمنَتْ بي إذ كَفرَ بيَ النَّاسُ وصدَّقتني إذ كذَّبني النَّاسُ وواسَتْني بمالِها إذ حرَمَنِيَ النَّاسُ ورزقنيَ اللَّهُ أولادَها إذ حرمني أولادَ النَّساءِ ، ولم يكن دور أمّ المؤمنين خديجة يقتصر على كونها الزوجة الحبيبة، الحنون، وإنّما كانت بمثابة المستشار الأول، والوزير المخلص، بالنسبة للنبيّ عليه الصّلاة والسّلام، فقد كانت -رضي الله عنها- صاحبة عقلٍ ورأي، وقد دلّ على ذلك قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: حسبُكَ مِن نساءِ العالَمينَ مَريمُ بِنتُ عِمرانَ، وخَديجةُ بِنتُ خوَيْلدٍ، وفاطمةُ بِنتُ محمَّدٍ، وآسيةُ امرأةُ فِرعَونَ ، ولذلك كانت مصيبة موتها من أكبر المصائب التي ابتلي بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم | لم يكن عام الذي عاشه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خاتمة المطاف لتعبه وآلامه، بل كان حلقة ضمن حلقات طويلة، عاشها وخاضها، في سبيل دعوته ورسالته، وأعطى المسلم في كل زمان ومكان، القدوة الحسنة والنموذج الأمثل |
---|---|
ثانيًا: مسألة والضحك من المؤمنين أمر متكرِّر في قصص كلِّ الصالحين؛ فقد رأيناه مع الأنبياء السابقين، ورأيناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان المشركون في هذا الموقف يضحكون حتى يميل بعضهم على بعضٍ من شدَّة الضحك! عام الحزن هو العام الذي فَقَدَ النبي صلى الله عليه و آله نصيرين عظيمين له و لرسالته ، فقد تُوفي في هذا العام عمُّه أبو طالب رضوان الله عليه ، كما تُوفِّيت في العام نفسه زوجته المثالية العظيمة أم المؤمنين السيدة خديجة رضوان الله عليها ، فكان لوفاتهما وقعاً كبيراً على قلب الرسول المصطفى صلى الله عليه و آله ، فإشتد مصابه و حزن عليهما ، فسمَّى النبي صلى الله عليه و آله ذلك العام بعام الحزن | على أن قول القسطلاني: فيما ذكره صاعد يُشعر أنه ذكره معلقًا بدون إسناد فيكون معضلًا، فيكون الخبر ضعيفًا لا يصح، حتى ولو كان صاعد معروفًا بالثقة والحفظ، وهيهات هيهات 2 " |
وهدفها جاء في آخر سطر من القصة وهو : إنَّهُ مَن يتَّقِ و يَصبر، فإنَّ اللهَ لا يُضيعُ أجرَ المُحسِنين فالمحور الأساسي للقصة هو : — ثق في تدبير الله | فأخذ النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يعدّ تدابير لهذه الأزمة المحيطة به وبالمسلمين |
---|---|
هذه السورة كما قال العلماء : ما قرأها محزون ٌإلا سُرِّي عنه |
ويبدو أنَّ موت أبي طالب كان مؤْذِنًا بذهاب كلِّ ذرَّة مروءة أو خُلُق عند معظم زعماء قريش؛ لأنَّنا رأينا في هذه المرحلة أنَّ مستوى التدنِّي في الأخلاق في التعامل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بلغ حدًّا لا يُمكن أن نستوعبه؛ خاصَّةً إذا علمنا شرف رسول الله صلى الله عليه وسلم نسبًا وأخلاقًا وقيمةً في مجتمع مكة، وإذا علمنا كذلك أنَّه في هذه الأحداث قد بلغ الخمسين من عمره، فهو شيخٌ له مكانته ووضعه، فوق أنَّه الصادق الأمين الذي يشهد له القريب والبعيد بالتفوُّق على أهل مكة؛ بل على أهل الأرض جميعًا، ثم ها نحن نجد السفاهة تصل بالقرشيِّين إلى هذا المستوى؛ الذي إن حدث من غلامٍ سفيهٍ استغربناه، فما بالنا نراه من زعماء كبار، وسادة متمكِّنين! وحيث اشتدّ فيه حزن النبيِّ وتاثره بموت حامِيَيهِ والمدافعين عن دعوته ورسالته.
25