وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واهتدى بهداه | وأهل الدنيا عندما رأوا أنّ الكمال في لذائذها، وتبيّن لأعينهم جمالها، اتّجهوا فطرياً نحوها |
---|---|
إذاً إمّا أنّ القلوب لا تؤمن بالآخرة مثل قلوبنا، وإن كنّا نُصدّق بها تصديقاً عقلياً، وإمّا أنّها لا اطمئنان فيها، فيكون حبّ البقاء في هذا العالَم، وكراهة الموت والخروج من هذا العالَم موجوداً في القلب | ذلك لأنه رأى بعين الولاية حقيقة هذه الدنيا، فلا يؤثِر على مجاورة رحمة الحقّ المتعال شيئاً أبداً |
ولولا المصالح لما ثبتت نفوسهم الطاهرة لحظة واحدة في سجن الطبيعة المظلمة.
وإن السعادة كلها في طاعته، والأرباح كلها في معاملته، والمحن والبلايا كلها في معصيته ومخالفته، فليس للعبد أنفع من شكره، والتوبة إليه | فهم كما يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: "نزلت أنفسهم في البلاء كالتي نزلت في الرخاء، ولولا الأجل الذي كتب الله عليهم، لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقاً إلى الثواب"15 |
---|---|
ولو بقي آدم عليه السلامفي ذلك الانجذاب الإلهيّ، ولم يرد إلى عالم الملك، لما بسطت كلّ هذه الرحمة في الدنيا والآخرة | كما أنّ أهل الله مستغنون عن كلا العالمين الدنيا والآخرة ، متحرّرون من كلتا النشأتين وكلّ احتياجهم فقط إلى الغنيّ المطلق، فيغدو قلبهم متجلياً بمظهر الغنى بالذّات، فهنيئاً لهم |
ما هي حقيقة الدنيا المذمومة؟ للدنيا والآخرة إطلاقات حسب آراء أرباب العلوم ولدى مقاييس معارفهم وعلومهم.
12وبما وهبه الله من القوى الشهوانية ووسائل التلذّذ للحفاظ على ذاته وعلى البشرية، يزداد حبّه ويقوى تعلّقه بها، حتى يظنّ أنّ الدنيا إنّما هي دار اللذّات وإشباع الرغبات، ويرى في الموت قاطعاً لتلك اللذّات، وحتى لو كان يعرف من أدلّة الحكماء أو أخبار الأنبياء صلوات الله عليهم أنّ هناك عالماً أخرويّاً فإنّ قلبه يبقى غافلاً عن كيفية هذا العالَم الآخر وحالاته وكمالاته ولا يتقبّله، فضلاً عن بلوغه مقام الاطمئنان | وليس الذم راجعاً إلى ما في الدنيا من تغير الأحوال من حر وبرد، وصيف وشتاء، وليل ونهار، ونور وظلام |
---|---|
ولا يكون البحث عن حقيقتها على ضوء المصطلحات العلمية بمهمّة، فإنّ بذل الجهد في فهم الاصطلاحات، والردّ والقبول، والجرح والتعديل يحول دون بلوغ القصد | وعندها لا يكون له همّ إلا البحث عن الجاه العريض، والشهرة الواسعة، وإن كان على حساب الدين والفضيلة |
وما سبب خطيئة آدم -صلى الله عليه وسلم- إلا حب الخلود في الدنيا، وذنب إبليس سببه الكبر وحب الرئاسة التي محبتها شر من محبة الدنيا وشهواتها، وبسببها كفر فرعون وهامان وجنودهما، وأبو جهل وقومه، واليهود وغيرهم.