فإذا أتينا إلى تعبير : صلّى له ، كان معنى ذلك أنّه فَعَلَ فِعْلَ الوصلِ والاتصال ، وكان ذلك لأجل الآخر ، فالآخر هو غاية الفعل وطرفه وهدفه | |
---|---|
تقدمتم في جوابكم على الاخ بالقول التالي وهذا نصه: "ثم لو سلمنا جدلا بان الصلاة على محمد لا تعود بالنفع اليه" فيا سبحان الله كيف تكون صلاة المذنبين مزكية للكمال الاتم وسيد الانبياء؟! العبادة؛ وتجدر الإشارة إلى أن الدعاء جزءٌ من العبادة |
وهذه المحاولة ممتازة ، وترفع الإشكاليّة التي واجهتها المحاولة السابقة ، لكنّها تحتاج لإضافة بسيطة تتعلّق بتفسير الجذر اللغوي لكلمة صلاة ، والتمييز بينها في استخداماتها المتعدّدة ، وسوف أشير لبعض ما يطرح في هذا السياق قريباً بعون الله | وعلى هذا فالقول الرَّاجح : أنَّ الصَّلاةَ عليه تعني : الثناء عليه في الملأ الأعلى " انتهى |
---|---|
وبهذا تصبح هذه المحاولة التفسيرية مكمّلةً للمحاولة التفسيرية الثانية والثالثة المتقدّمتين ، فإبراز المحبّة أو التعظيم إنمّا سمّي صلاةً؛ لأنّه صلة نقدّمها له وعطاء نبرزه أمامه ، عرفاناً بجميله ، والانعطاف إنّما سمي صلاةً لأنّك بانعطافك نحو الشخص تلقي عليه اهتمامك وسلامك وعنايتك ، فالتفاسير الثلاثة الأخيرة كلّها صحيحة لو التأمت لتكوّن تفسيراً حاسماً ، وبه يتمّ تفسير مختلف الاستخدامات اللغوية لكلمة الصلاة عند العرب إلا ما شذّ ، ويكون معنى الآية حينئذٍ كالتالي : إنّ الله وملائكته يقدّمون عنايتهم وصلتهم وعطاءهم ومحبّتهم ورحمتهم وخدماتهم للنبيّ ، فهلمّوا أيها الناس ويا من تؤمنون بالله ورسوله لكي تقدّموا أنتم أيضاً كلّ صلة للنبيّ وعطاء ومحبّة ، فاذكروه ، واعلوا اسمه ، وارفعوا دعوته ، وأعلنوا الشكر الدائم له ، وتوجّهوا بالدعاء إلى الله لأجله ، ومجّدوه في الأرض ، واثنوا عليه ، ولا تقصّروا في أداء حقوقه إليه ، بأيّ شيء يمكنكم أن تقدّموه له ، وتحفظوه في أسرته وأهل بيته وغير ذلك | وهذا مشهورٌ بين أهل العلم ، لكن الصحيح خِلاف ذلك ، أن الصَّلاةَ أخصُّ من الرحمة ، ولذا أجمع المسلمون على جواز الدُّعاء بالرحمة لكلِّ مؤمن ، واختلفوا : هل يُصلَّى على غير الأنبياء ؟ ولو كانت الصَّلاةُ بمعنى الرحمة لم يكن بينهما فَرْقٌ ، فكما ندعو لفلان بالرحمة نُصلِّي عليه |
والمعنى المذكور في السؤال مقبول وغير مستبعد وقد توسع أهل العلم في ذكر معاني السلام هنا، جاء في الشرح الممتع على زاد المستقنع للشيخ محمد بن صالح العثيمين: قوله: السلام عليك، السَّلام قيل: إنَّ المراد بالسَّلامِ: اسمُ الله عزّ وجل، لأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: إنَّ اللَّهَ هو السَّلامُ ـ كما قال عزّ وجل في كتابه: الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ {الحشر: 23} وبناءً على هذا القول يكون المعنى: أنَّ الله على الرَّسولِ صلّى الله عليه وسلّم بالحِفظ والكَلاءة والعناية وغير ذلك، فكأننا نقول: اللَّهُ عليك، أي: رقيب حافظ مُعْتَنٍ بك، وما أشبه ذلك، وقيل: السلام: اسم مصدر سَلَّمَ بمعنى التَّسليم، كما قال تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا { الأحزاب: 56} فمعنى التسليم على الرسول صلّى الله عليه وسلّم: أننا ندعو له بالسَّلامة مِن كُلِّ آفة، إذا قال قائل: قد يكون هذا الدُّعاء في حياته عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ واضحاً، لكن بعد مماته كيف ندعو له بالسَّلامةِ وقد مات صلّى الله عليه وسلّم؟ فالجواب: ليس الدُّعاءُ بالسَّلامة مقصوراً في حال الحياة، فهناك أهوال يوم القيامة، ولهذا كان دعاء الرُّسل إذا عَبَرَ النَّاسُ على الصِّراط: اللَّهُمَّ، سَلِّمْ، سَلِّمْ ـ فلا ينتهي المرءُ مِن المخاوف والآفات بمجرد موته، إذاً ندعو للرَّسول صلّى الله عليه وسلّم بالسَّلامةِ من هول الموقف، ونقول أيضاً: قد يكون بمعنى أعم، أي: أنَّ السَّلامَ عليه يشمَلُ السَّلامَ على شرعِه وسُنَّتِهِ، وسلامتها من أن تنالها أيدي العابثين، كما قال العلماءُ في قوله تعالى: فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ {النساء: 59} قالوا: إليه في حياته، وإلى سُنَّتِهِ بعد وفاته.
وهذا أعظم ما يكون بين المتلاقيين ولو لم يعرفه، ولذا معلوم في الفطرة والجبلة: لو أن إنساناً لقي آخر ولم يسلم عليه عرف أن عنده نية شر؛ لأنه ما بدأ بالسلام | حيث ان الله يذكر بالقرآن الكريم إن الله وملائكته يصلون على النبي, فما معنى إن الله يصلي على النبي؟ |
---|---|
حكم الصلاة على غير النبي لا بد من التفريق بين الأنبياء وغيرهم في حكم الصلاة عليهم، فالصلاة على جائزة ومشروعة، وقد حكى بعض العلماء الإجماع على ذلك، لورود ذلك في عددٍ من الآيات والأحاديث، منها قوله تعالى: سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ ، وأما الصلاة على غير الأنبياء؛ فإن كانت على سبيل التبعيّة كقولنا: ، فهذا جائزٌ بلا خلاف، ولكنهم اختلفوا في حال إفراد شخصٍ بالصلاة، فقال بعضهم بجواز ذلك، ودليل ذلك قوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ، في حين ذهب جُمهور العُلماء إلى عدم جواز إفراد شخص عدا الأنبياء بالصلاة، لأن هذه الصلاة علامة للأنبياء في حال ذكرهم، فلا تجوز لغيرهم، وأما السلام فقد نقل بعض الشافعية أنه في معنى الصلاة فلا يستعمل في الغائب ولا يفرد به غير الأنبياء، أما السلام على الحاضرين فهو مشروح ، كقول "السلام عليكم" | وأحسن ما قيل فيها : ما ذكره أبو العالية رحمه الله أنَّ صلاةَ الله على نبيِّه : ثناؤه عليه في الملأ الأعلى |
هذه الجملة تكلم بها الرسول أمام ابن مسعود ، ولماذا لم يقل بدلاً عنها: السلام عليّ ، عليك راجعة لمن؟ وعليّ راجعة لمن؟ لأن عليك كاف خطاب من المتكلم إلى المخاطب، وعليّ من المتكلم إلى نفسه، وهنا يعلمهم ماذا يقولون، فلو قال: السلام علي، فلو أن إنساناً قال: السلام عليّ، يكون بهذا سلم على نفسه، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم هنا ما قال: ثم صلوا عليّ ، فهو يعلمنا أنه جرد من نفسه شخصية التعليم، بالنسبة لصاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم، فقال: قولوا: السلام عليك أيها النبي ، صحيح أنا النبي، ولكن واجب عليكم أنتم أن تسلموا على النبي عليه الصلاة والسلام.
15